فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

سورة المدثر:
{يا أيها المدثر}: أي المدّثر في قطيفه. أخبرنا أبو نعيم الاسفرائيني، بها قال: أخبرنا أبو عمران بن موسى بن العباس الارادواري بها، قال: أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي ببيروت قال: أخبرني أبي قال: حدّثنا أبو عمرو الأوزاعي قال: حدّثنا، أبو نصر يحيى ابن أبي كبير العطار اليماني قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن: أي القرآن أنزل قبل؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني جأورت بحراء شهرا فلما قضت جواري نزلت فاستبطنت الوادي، فنوديت فنظرت بين يدي وخلفي وعن يميني وشمالي فلم أر شيئا، ثم نظرت إلى السماء فإذا هو على العرش في الهواء فأخذتني وحشة، فأمرتهم فدثّروني فأنزل الله سبحانه: {يا أيها المدثر، حتى بلغ: وثيابك فطهر}».
وأخبرنا أبو نعيم قال: حدّثنا أبو عمران قال: حدّثنا جعفر بن عامر البغدادي قال: حدّثنا سعد أبو محمد قال: حدّثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: أخبرني جابر بن عبد الله إنّ أول شيء نزل من القرآن {يا أيها المدثر}، وقال جابر: ألا أخبرك ما سمعت عن النبي عليه السلام سمعته يقول: «جأورت بحراء فلما قضيت جواري أقبلت في بطن الوادي فناداني مناد فنظرت عن يميني وشمالي وخلفي وأمامي فلم أر شيئا، ثم ناداني فنظرت فوقي فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض فجثثتُ منه فرقا فأقبلت إلى خديجة، فقلت: دثروني وصبّوا عليّ ماءا باردا فأنزل الله سبحانه: {يا أيها المدّثّر}».
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا محمد بن جعفر بن يزيد الصيرفي قال: حدّثنا عليّ بن حرب الموصلي قال: حدّثنا عبد الرحمن بن يحيى المدني عن يونس عن الزهري قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: أخبرني جابر أنه سمع رسول الله عليه السلام يقول: «فنزعني الوحي مرّة فبينما أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي أتاني بحراء قاعد على الكرسي بين السماء والأرض فجثثت منه فرقا حتى هويت إلى الأرض فجئت إلى أهلي فقلت زمّلوني فأنزل الله سبحانه: {يا أيها المدثر قُمْ فأنذِرْ * وربّك فكبِّرْ وثِيابك فطهِّرْ}».
قال: عكرمة سئل ابن عباس عن هذه الآية فقال: معناه لا يلبسها على معصية ولا على غدرة ثم قال: قول غيلان بن سلمة الثقفي:
إني بحمد لله لا ثوب فاجر ** لبست ولا من غدرة اتقنع

والعرب تقول للرجل إذا وفى وصدق: إنه طاهر الثياب، وإذا غدر ونكث: إنه لدنس الثياب.
وقال أبي بن كعب: لا يلبسها على غدر ولا على ظلم ولا على أكم البسها وأنت طاهر، وقال قتادة وإبراهيم والضحاك والشعبي والزهري ويمان: وثيابك فطهّر من الذنب والإثم والمعصية، وقال أهل المعاني: أراد طهّر نفسك عن الذنوب فكنى عن الجسم بالثياب لأنها تشتمل عليه، كقول عنترة:
فشككت بالرمح الأصم ثيابه ** ليس الكريم على القنا بمحرم

أي نفسه، وقال آخر:
ثياب بني عوف طهارى نقية ** وأوجههم بيض المسافر غران

أي أنفس بني عوف.
وقال السدي: يقال للرجل إذا كان صالحا: إنّه لطاهر الثياب، وإذا كان فاجرا: إنه لخبيث الثياب. قال الشاعر:
لا هم إن عامر بن جهم ** أو ذم حجا في ثياب دسم

يعني متدنس بالخطايا.
أبو زوق عن الضحاك: وعملك فأصلح، وهي رواية فضيل بن عياض عن منصور عن مجاهد.
سعيد بن جبير: وقلبك وبيتك فطهّر، ودليل هذا التأويل قول امرؤ القيس:
وإن تك قد ساءتك منّي خليقة ** فسلي ثيابي من ثيابك تنسل

أي قلبي من قلبك.
وقال الحسن والمقرظي: وخلقك فحسّن، ودليلهما قول الشاعر:
ويحيى لا يلام بسوء خلق ** ويحيى طاهر الأثواب حر

أي حسن الأخلاق.
عطية عن ابن عباس: لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب غير طائل، وقال ابن زيد وابن شريك نقِّ ثيابك واغسلها بالماء وطهّرها من النجاسة وذلك أنّ المشركين كانوا لا يتطهرون فأمره أن يطهّر ثيابه.
قال الفراء: وسمعت بعضهم يقول: طهّرها بالأشنان.
وقال طأوس: وثيابك فقصّر وشمّر، لأن تقصير الثياب طهرُة لها، وقيل: وأهلك فطهّره من الخطايا بالوعظ والتأديب؛ والعرب تسمّي الأهّل ثوبا ولباسا وإزارا، وقد مضى ذكره. يحيى ابن معاد: طهّر قلبك من مرض الخطايا وأشغال الدنيا تجد حلأوة العبادة، فإن من لم يصُن الجسم لا يجد شهوة الطعام، وقيل: طهّر قلبك عما سوى الله.
{والرجز فاهجر} قرأ الحسن وعكرمة ومجاهد وحميد وأبو جعفر وشيبة ويعقوب {والرُجز} بضم الراء ومثله روى الفضل وحفص عن عاصم واختاره أبو حاتم وقرأ الباقون بكسر الراء واختاره أبو عبيد قال لأنها أفشى اللغتين وأكثرهما، وهما لغتان لمعنى واحد.
قال ابن عباس: اترك المأثم، مجاهد وقتادة وعكرمة والزهري وابن زيد: والأوثان فأهجر ولا تقربها وهي رواية الوالبي عن ابن عباس، وقيل الزاي فيه منقلبة عن السين والعرب تعاقب بين الزاي والسين لقرب مخرجهما ودليل هذا التأويل قوله سبحانه: {فاجتنبوا الرجس مِن الأوثان} [الحج: 30].
أبو العالية والربيع: الرُجز بالضم الصّنم، وبالكسر: النجاسة والمعصية، وقال الضحاك: يعني الشرك، ابن كيسان: يعني الشيطان، وقال الكلبي: يعني العذاب، ومجاز الآية: اهجّر ما أوجب لك العذاب من الأعمال، وقيل: أتسقط حب الدُنيا عن قلبك؛ فإنها رأس كلّ خطيئة، وقيل: ونفسك فخالفها.
{ولا تمْنُن} قراءة العامة باظهاره التضعيف وقرأ أبو السماك العدوى {ولا تمُنّ} مدغمة مفتوحة مؤكدة {تسْتكْثِرُ} قرأ الحسن بالجزم على جواب النهي وهو ردي؛ لأنه ليس بجواب.
وقرأ الأعمش بالنصب على توهّم لام كي كأنه قال: لتستكثر، وقرأ الآخرون بالرفع. واختلفوا في معنى الآية فقال أكثر المفسرين ولا تعُطِ شيئا لتعُطى أكبر منه، قال قتادة: لا تعط شيأ طمعا لمجازاة الدنيا ومقارضتها، القرظي: لا تعط مالك مصانعة، قال الضحاك ومجاهد: كان هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وقال الضحاك: هما رياءان: حلال وحرام، فأما الحلال فالهدايا وأما الحرام فالربا.
وقال الحسن: ولا تمنن على الله بعملك فتستكثره، الربيع: لا يكثرن عملك في عينك فإنه فيما أنعم الله عليك وأعطاك قليل، ابن كيسان: لا تستكثر عملك فتراه من نفسك أنّما عملك منّة من الله سبحانه عليك، إذ جعل لك سبيلا إلى عبادته فله بذلك الشكر أن هداك له، خصيف عن مجاهد: ولا تضعف أن تستكثر من الخير من قولهم: حبل متين إذا كان ضعيفا، ودليله قراءة ابن مسعود {ولا تمنن أن تستكثر}، وقال ابن زيد: معناه ولا تمنّ بالنبوة على الناس فنأخذ عليها منهم أجرا وعرضا من الدنيا. زيد بن أسلم: إذا أعطيت عطية فاعطها لربّك واصبر حتى يكون هو الذي يثيبك عليها، وقال مجاهد: واصبر لله على ما أوذيت، ابن زيد: حملت أمرا عظيما محاربة العرب ثم العجم فاصّبر عليه لله، وقيل: على أوامر الله ونواهيه، وقيل: فاصبر تحت موارد القضاء لأجل الله، وقيل: فارق الملامة والسآمة، وقيل: فاصبر على البلوى فإنه يمتحن أحباءه وأصفياءه.
{فإِذا نُقِر فِي الناقور} أي نفخ في الصوّر.
حدّثنا أبو محمد المخلدي قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الحفوظي قال: حدّثنا عبد الله بن هشام قال: حدّثنا أسباط بن محمد القرشي عن مطرف عن عطية عن ابن عباس في قوله سبحانه: {فإِذا نُقِر فِي الناقور} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته يستمع متى يؤمر فينفخ» وقال أصحاب رسول الله كيف نقول؟
قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا».
{فذلِك يوْمئِذٍ يوْمٌ عسِيرٌ على الكافرين غيْرُ يسِيرٍ}
أخبرنا أبو جعفر محمد الحلقاني قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن هارون الفقيه قال: حدّثنا عمران بن موسى قال: حدّثنا هدية بن خلد القيسي، قال: حدّثنا أبو حباب القصاب قال: أمّنا زرارة بن أوفى فلما بلغ {فإِذا نُقِر فِي الناقور} الآية: خرّ ميتا.
{ذرْنِي ومنْ خلقْتُ} أي خلقته في بطن أمه {وحِيدا} فريدا لا مال له ولا ولد. نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي. قال ابن عباس وكان يسمى: الوحيد في قومه.
{وجعلْتُ لهُ مالا مّمْدُودا} أي كثيرا وقيل: ما يمدّ بالنماء كالزرع والضرع والتجارة واختلفوا في مبلغه. فقال: مجاهد وسعيد بن جبير: ألف دينار. قتادة: أربعة آلاف دينار. سفيان الثوري: ألف ألف. النعمان بن سالم: كان ماله أرضا. ابن عباس: سبعة آلاف مثقال فضة. مقاتل: كان له بستانا بالطائف لا ينقطع ثماره شتاء ولا صيفا، دليله {وظِلٍّ مّمْدُودٍ} [الواقعة: 30].
وروى ابن جريح عن عطاء عن عمر في قوله سبحانه: {وجعلْتُ لهُ مالا مّمْدُودا} قال: غلّة شهر. بشهر.
{وبنِين شُهودا} حضورا معه بمكة لا يغيبون عنه. قال سعيد بن جبير: كانوا ثلاثة عشر ولدا. مجاهد وقتادة: كانوا عشرة. مقاتل: كانوا سبعة كلّهم رجال، وهم: الوليد بن الوليد وخالد بن الوليد وعماره بن الوليد وهشام بن الوليد والعاص بن الوليد وقيس بن الوليد وعبد شمس بن الوليد، أسلم منهم ثلاثة: خالد وهشام وعمارة، قالوا: فما زال الوليد بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك.
{ومهّدتُّ لهُ تمْهِيدا} أي بسطت له في العيش بسطا، وقال ابن عباس: يعني المال بعضه على بعض كما تمهد الفرش {ثُمّ يطْمعُ} يرجو{أنْ أزِيد} مالا وولدا أو تمهيدا في الدنيا {كلاّ} قطع الرجاء عمّا كان يطمع فيه ويكون متّصلا بالكلام الأول وقيل: قسم أي حقا وتكون ابتداء آية.
{إِنّهُ كان لآياتِنا عنِيدا} معنادا {سأُرْهِقُهُ صعُودا} سأكلّفه مشقّة من العذاب لا راحة له منها.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا ابن سعيد قال: حدّثنا أحمد بن صالح قال: حدّثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن النبي عليه السلام {سأُرْهِقُهُ صعُودا} قال: «هو جبل في النار يكلف أن يصعده فإذا وضع يده ذابت وإذا رفعها عادت وإذا وضع رجله ذابت وإذا رفعها عادت».
{إِنّهُ فكّر وقدّر} الآيات، وذلك أن الله سبحانه لما أنزل على النبي عليه السلام {حم تنزِيلُ الكتاب مِن الله العزيز العليم} إلى قوله: {إِليْهِ المصير} [غافر: 1-2-3] قرأها النبي عليه السلام في المسجد والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته، فلما فطن النبي عليه السلام لاستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية، فانطلق الوليد حذاء مجلس قومه بني مخزوم فقال: (والله لقد سمعت من محمد كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن إن له لحلأوة وإن عليه لطلأوة وإن أعلاه لمثمر وإنّ أسفله لمغدق وإنّه يعلو وما يُعلى).
ثم انصرف إلى منزله، فقالت قريش: صبا والله الوليد والله ليصبأنّ قريش كلّهم وكان يقال للوليد: ريحانة قريش، فقال: لهم أبو جهل أنا أكفيكموه فانطلق فقعد إلى جنب الوليد حزينا، فقال: له الوليد مالي أراك حزينا يابن أخي، قال: وما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك على كبر سنك ويزعمون أنّك تؤمن بكلام محمد وتدجل على ابن أبي كبشة وابن أبي قحافة لتنال من فضل طعامهم، فغضب الوليد وقال: ألم تعلم قريش أني أكثرهم مالا وولدا وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام فيكون لهم فضل؟ ثم قام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه، فقال لهم: تزعمون أن محمدا مجنونا فهل رأيتموه يخنق قط؟ قالوا: اللهم لا، قال: تزعمون أنه كاهن فهل رأيتموه يتكهّن قط؟ قالوا: اللهم لا، قال: تزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه ينطق بشعر قط؟ قالوا: اللهم لا. قال: تزعمون أنه كذّاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب؟ قالوا: لا، وكان رسول الله عليه السلام يسمّى: الأمين قبل النبوة من صدقه. فقالت: قريش: فما هو؟ فتفكّر في نفسه ثم نظر وعبس فقال: ما هو إلاّ ساحرا، أما رأيتموه يفرّق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فهو ساحر، وما يقوله سحر. فذلك قوله سبحانه: {إِنّهُ فكّر} في محمد والقرآن وقدّر في نفسه ماذا يمكنه أن يقول فيهما. {فقُتِل} لعن، وقال الزهري: عُذّب {كيْف قدّر} على طريق التعجّب والإنكار والتوبيخ. {ثُمّ قُتِل كيْف قدّر ثُمّ نظر ثُمّ عبس وبسر} كلح {ثُمّ أدْبر واستكبر فقال إِنْ هذآ} ما هذا الذي يقرأه محمد {إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثرُ} يروى ويحكى.
{إِنْ هذآ إِلاّ قول البشر} يعني يسارا وجبرا فهو مأثرة عنهما.
وقيل: يرويه عن مسيلمة صاحب اليمامة، وقيل: يرويه عن أهل بابل.
{سأُصْلِيهِ} سأدخله {سقر} لم يصرفه، لأنه اسم من أسماء جهنم.
أخبرني الحسين قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا سعدان قال: حدّثنا أحمد بن صالح قال: حدّثنا ابن وهب قال: أخبرنا عمرو أن أبا السمح حدّثه عن ابن حجرة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال موسى لربّه عز وجل: أي عبادك أفقر؟ قال: صاحب سقر».
{ومآ أدْراك ما سقرُ لا تُبْقِي ولا تذرُ} فيها شيئا إلاّ أكلته وأهلكته قال مجاهد: يعني لا تميت ولا تحيي يعني أنها لا تبقي من فيها حيّا ولا تذر من فيها ميتا، ولكنها تحرقهم كلّما جدد خلقهم، وقال السدي: لا تبقي لهم لحما ولا تذر لهم عظما، وقال الضحاك: إذا أخذت فيهم لم تبق منهم شيئا وإذا أعيدوا لم تذرهم حتى تفنيهم، ولكل شيء فترة وملالة إلاّ لجهنم.
{لواحةٌ لِّلْبشرِ} مغيّرة للجلود. تقول العرب: لاحته الشمس ولوحته. قال الشاعر:
تقول لشيء لوحته السمائم

وقال رؤبة:
لوح منه بعد بدّن وسق ** تلويحك الضامر يُطوى للسبق

قال مجاهد: يلفح الجد فتدعه أشدّ سوادا من الليل، وقال ابن عباس وزيد ابن أسلم: محرقة للجلد، وقال الحسن وابن كيسان: يعني تلوح لهم جهنم متى يروها عيانا. نظيره {وبُرِّزتِ الجحيم لِلْغأوين} [الشعراء: 91]، ولواحة رفع على النعت، سقر في قوله: {ومآ أدْراك ما سقرُ} وقرأ عطية العوفي في {لواحةٌ لِّلْبشرِ} بالنصب والبشر جمع بشره وجمع البشر أبشار.
{عليْها تِسْعة عشر} من الخزنة ويحتمل أن يكونوا تسعة عشر صنفا ويحتمل أن يكونوا تسعة عشر صفا، ويحتمل أن يكونوا تسعة عشر نقيبا، ويحتمل أن يكونوا تسعة عشر ملكا بأعيانهم وعلى هذا أكثر المفسّرين. ولا يستنكر هذا فإن ملك واحد يقبض أرواح جميع الخلق كان أحرى أن يكون تسعة عشر على عذاب بعض الخلق.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن لؤلؤ قال: أخبرنا الهيثم بن خلف قال: حدّثنا إبراهيم ابن إبراهيم قال: حدّثنا حجاج بن جريح قال: حدّثنا مرفوعا إلى النبي عليه السلام «إنّه نعت خزنة النار فقال: كأن أعينهم البرق، وكإن أفواههم الصياصي يجرّون أشعارهم، لأحدهم من القوة مثل قوة الثقلين يسوق أحدهم الأمة وعلى رقبته جبل فيرميهم في النار، ويرمي بالجبل عليهم».
وقال عمرو بن دينار: إن واحدا منهم يدفع بالدفعة الواحدة في جهنم أكثر من ربيعة ومضر. قال ابن عباس وقتاده والضحاك: لما نزلت هذه الآية قال أبو جهل: لقريش ثكلتكم أمهاتكم اسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم ألدّهم أي الشجعان أفتعجز كلّ عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم، فقال أبو الاشدين كلدة بن خلف بن أسد الجمحي: أنا أكفيكم منهم سبعة عشرة على ظهري وسبعة على بطني واكفوني أنتم اثنين.
فأنزل الله سبحانه وتعالى: {وما جعلْنآ أصْحاب النار إِلاّ ملائِكة} لا رجالا إذ من فمن ذا يغلب الملائكة {وما جعلْنا عِدّتهُمْ} عددهم {إِلاّ فِتْنة لِّلّذِين كفرُواْ} لتكذيبهم بذلك وقول بعضهم أنا أكفيكموه. {لِيسْتيْقِن الذين أوتُواْ الكتاب} لأنّه مكتوب في التوراة والإنجيل أنهم تسعة عشر.
{ويزْداد الذين آمنوا إِيمانا ولا يرْتاب} يشك {الذين أوتُواْ الكتاب والمؤمنون ولِيقول الذين فِي قُلوبِهِم مّرضٌ} شك ونفاق قاله أكثر المفسرين، وقال الحسين بن الفضل: السورة مكيّة ولم يكن بمكة البتة نفاق فالمرض في هذه الخلاف لا النفاق.
{ماذآ أراد الله بهذا مثلا} إنما قاله مشركو مكّة {كذلِك يُضِلُّ الله من يشاءُ ويهْدِي من يشاءُ وما يعْلمُ جُنُود ربِّك} جموع ربك {إِلاّ هو} قال مقاتل: هذا جواب أبي جهل حين قال: أما لمحمد أعوان إلاّ تسعة عشر.
أخبرنا الحسين قال: حدّثنا عمران أحمد بن القاسم قال: حدّثنا محمد بن أحمد الصباح قال: حدّثنا محمد بن عبيدة الوراق أبو مخدورة قال: حدّثنا حسين بن الحسن الأشقر قال: حدّثنا هاشم عن دأود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسّم غنائم حنين وجبرئيل إلى جنبه، فأتاه ملك فقال: إنّ ربّك يأمرك بكذا وكذا قال: فخشي النبي عليهم أن يكون شيطان فقال: يا جبريل أتعرفه؟ قال: هو ملك، وما كل ملائكة ربّك أعرف».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا عبد بن مرداس قال: حدّثنا سلمة ابن شعيب قال: حدّثنا عبد القدوس قال: سمعت الأوزاعي يقول: قال موسى عليه السلام: يا ربّ من معك في السماء؟ قال: ملائكتي، قال: كم عددهم؟ قال: إثنا عشر سبطا، قال: كم عدة كل سبط؟ قال: عدد التراب.
{وما هِي} يعني النار {إِلاّ ذكرى لِلْبشرِ} عضة للناس.
{كلاّ والقمر والليل إِذْ أدْبر} يعني ولّى ذاهبا، اختلفت القراءة فيه فقرأ ابن محيضن ونافع وحمزة وخلف ويعقوب وحفص {إِذْ} بغير ألف. {أدْبر} بالألف، غيرهم هم ضده، واختاره أبو عبيد قال: لأنها أشّد موافقه للحرف الذي يليه، ألا تراه قال: {والصبح إِذآ أسْفر} فكيف يكون في أحدهما إذا وفي الآخر إذ، وأبو حاتم قال: لأنه ليس في القرآن لجنبه إذ وأنما الأقسام بجنبها إذا.
قال قطرب من قرأ {والليل إِذْ أدْبر}: يريد أقبل، من قول العرب دبر فلان أي جاء خلفي، فكأنّه دبر خلف النهار. قال أبو الضحى: كان ابن عباس يعيب على من يقرأ {دبر} ويقول: إنما يدبّر ظهر البعير، وقال الفراء: هما لغتان دبّر وأدبر. قال الشاعر:
صدعت غزالة قلبه بفوارس ** تركت مسامعه كأمس الدابر

وقال أبو عمرو: {دبّر} لغة قريش.
{والصبح إِذآ أسْفر} قرأه العامة بالألف أي أضاء وأقبل، وقرأ ابن السميع وعيسى ابن الفضل {سفر} بغير ألف، وهما لغتان يقال: سفر وجه فلان وأسفر، إذا أضاء، ويجوز أن يكون من قولهم: سفرت المرأة إذا ألقت خمارها عن وجهها، ويحتمل أن يكون معناه نفي الظلام كما سفر البيت أي يكنس ويقال للمكنسة المسفرة.
{إِنّها لإِحْدى الكبر} يعني أن سفر لإحدى الأمور العظام وواحد الكبر كُبرى: {نذِيرا لِّلْبشرِ} يعني أنّ النار نذير للبشر قال الحسن: والله ما أنذر الله بشيء أدهى منها، وهو نصب على القطع من قوله: {لإِحْدى الكبر}؛ لأنها معرفة ونذيرا نكرة.
قال الخليل: النذير مصدر كالنكير، فلذلك وصف به المؤنث، وقيل: هو من صفة الله سبحانه مجازه: وما جعلنا أصحاب النار إلاّ ملائكة، نذيرا للبشر أي إنذارا لهم. قال أبو رزين: أنا لكم منها نذير فاتقوها، وقيل: هو صفة محمد عليه السلام، ومعنى الكلام: يا أيّها المدثر قم نذيرا للبشر فأنذر، وهو معنى قول ابن زيد، وقرأ إبراهيم عن أبي غيلة {نذير للبشر} بالرفع على إضمار هو.
{لِمن شاء مِنكُمْ أن يتقدّم} في الخير والطاعة {أو يتأخّر} عنها في الشر والمعصية نظيره ودليله {ولقدْ علِمْنا المستقدمين مِنكُمْ} [الحجر: 24] يعني في الخير {ولقدْ علِمْنا المستأخرين} [الحجر: 24] عنه قاله الحسن، وهذا وعيد لهم كقوله: {فمن شاء فلْيُؤْمِن ومن شاء فلْيكْفُرْ} [الكهف: 29] يعني أنّه نذير لهما جميعا. {كُلُّ نفْسٍ بِما كسبتْ رهِينةٌ} مرتهنة بكسبها مأخوذة بعملها. {إِلاّ أصْحاب اليمين} فإنهم لا يحاسبون ولا يرتهنون بذنوبهم ولكن يغفرها الله لهم ويتجأوزها عنهم كما وعدهم. قال قتادة: غلق الناس كلّهم إلاّ أصحاب اليمين واختلفوا فيهم.
فأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا رضوان بن أحمد قال: حدّثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدّثنا أبو معأوية عن الأعمش عن أبي اليقظان عن زاذان عن علي في قوله: {إِلاّ أصْحاب اليمين} قال: هم أطفال المسلمين.
تدل عليه ما أخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حسن قال: حدّثنا البغوي قال: حدّثنا علي ابن الجعد قال: أخبرنا أبو عقيل عن نُهيّة عن عائشة قالت: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ولدان المؤمنين أين هم؟ قال: في الْجنّةِ. وسألته عن ولدان المشركين فقال: إنْ شئت سمّعتُكِ تضاغيهم في النار».
وقال أبو ظبيان: عن ابن عباس: هم الملائكة، وروى أبو حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر قال: نحن وشيعتنا أصحاب اليمين، وقال مقاتل: هم أهل الجنة الذين كانوا على يمين آدم يوم الميثاق حين قال لهم الله سبحانه: هؤلاء في الجنة ولا أبالي.
وقال الحسن: هم المسلمون المخلصون، وعنه أيضا: هم الذين كانوا ميامين على أنفسهم. ابن كيسان هم المؤمنون الصالحون ليسوا مرتهنين لأنهم أدّوا ما كان عليهم. يمان: هم الذين أمكنوا رهونهم، وقال الحكيم: هم الذين أختار الله سبحانه بخدمته فلم يدخلوا في الرهن، لأنهم خدّام الله سبحانه وصفوته وكسبهم لم يضرهم، وقال القاسم: كلّ نفس مأخوذة بكسبها من خير وشر إلاّ من اعتمد الفضل والرحمة دون الكسب والخدمة فكل من اعتمد على الكسب فهو رهين به ومنْ اعتمد على الفضل فإنّه غير مأخوذ. وسمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا عمرو البخاري يقول: في قوله سبحانه: {كُلُّ نفْسٍ بِما كسبتْ رهِينةٌ} قال: فأين الفرار من القدر وكيف القرار على الخطر؟
{فِي جنّاتٍ يتساءلون عنِ المجرمين} المشركين {ما سلككُمْ فِي سقر قالواْ لمْ نكُ مِن المصلين ولمْ نكُ نُطْعِمُ المسكين وكُنّا نخُوضُ مع الخآئضين} في الباطل. {وكُنّا نُكذِّبُ بِيوْمِ الدين حتى أتانا اليقين} يعني الموقن به وهو الموت.
قال الله سبحانه وتعالى: {فما تنفعُهُمْ شفاعةُ الشافعين} قال عبد الله بن مسعود: يشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون وجميع المؤمنين فلا يبقى في النار إلاّ أربعة ثم تلا قوله سبحانه: {لمْ نكُ مِن المصلين} إلى قوله: {بِيوْمِ الدين} قال الحسن: كنا نتحدّث أن الشهيد يُشفع في سبعين من أهل بيته.
وأخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا ابن ماهان قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: حدّثنا حماد قال: حدّثنا ثابت عن الحسن أن رسول الله عليه السلام قال: «يقول الرجل من أهل الجنة يوم القيامة أي ربي عبدك فلان سقاني شربة من الماء في الدنيا فشفّعني فيه، فيقول اذهب فاخرجه من النار فيذهب فيتجسس النار حتى يخرجه منها».
وبإسناد عن حماد عن خالد الحذاء عن عبد الله ابن شفيق عن رجل من بني تميم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليشفعن رجل من أمتي لأكثر من بني تميم».
وأخبرنا الحسن قال: حدّثنا عمر بن نوح البجلي قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن شاهين قال: حدّثنا عبد الله بن عمر قال: حدّثنا أبو معأوية قال: حدّثنا دأود بن أبي هند عن عبد الله بن قيس الأسدي عن الحرث بن أقشن قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أمتي من سيدخل الله بشفاعته الجنة أكثر من مضر».
{فما لهُمْ عنِ التذكرة مُعْرِضِين} نصب على الحال، وقيل: صاروا معرضين. {كأنّهُمْ حُمُرٌ} جمع حمار {مُّسْتنفِرةٌ} قرأ أهل المدينة والشام وأيوب بفتح الفاء أي منفرة مذعورة، ومثله روى المفضل عن عاصم وأختاره أبو عبيد، وقرأ الآخرون بالكسر أي نافرة يقال: نفرت واستنفرت بمعنى واحد، وأنشد الفراء:
أمسك حمارك إنه مستنفر ** في الثر أحمرة عمدن لغُرت

وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبه قال: حدّثنا أبو حامد المستملي قال: حدّثنا محمد بن حاتم الذمي قال: حدّثنا محمد بن سلام الجمحي قال: سألت أبا سراب الغنوي وكان إعرابيا فصيحا قارئا للقرآن فقلت: {حمر} ماذا؟ قال: {حمرّ مستنفرة} طردها قسورة، قلت: إنّما هي {فرت من قسورة} فقال: أفرّت، قلت: نعم قال: فـ: {مستنفرة}.
{فرّتْ مِن قسْورةٍ} اختلفوا فيه فقال مجاهد وقتادة والضحاك وابن كيسان: هم الرُماة وهي رواية عطاء عن ابن عباس وأبي ظبيان عن أبي موسى الأشعري، وقال سعيد بن جبير: هم القناص وهي رواية عطية عن ابن عباس.
وأخبرني الحسين قال: حدّثنا عمر بن أحمد بن القاسم النهأوندي قال: حدّثنا محمد بن أيوب قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدّثنا وكيع عن شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس: {فرت من قسورة} قال: عُصب الرجال.
وأخبرني عقيل قال: أخبرنا المعافى قال: أخبرنا محمد بن جرير قال: حدّثنا ابن المثنى قال: حدّثني عبد الصمد بن عبد الوارث قال: سمعت أبي تحدث قال: حدّثني دأود قال: حدّثني عباس بن عبد الرحمن مولى بني هاشم قال: سئل ابن عباس عن القسورة فقال: هي جمع الرجال ألم تسمع ما قالت فلانه في الجاهلية:
يا بنت كوني خيرة لخيرة ** أخوالها الحي وأهل القسورة

وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا محمد بن عمران قال: حدّثنا أبو عبيد الله المخزومي قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن عمرو وعن عطاء عن ابن عباس في قوله سبحانه: {فرّتْ مِن قسْورةٍ} قال: هي ركز الناس.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حبش قال: حدّثنا أبو يعلي الموصلي قال: حدّثنا يحيى بن معين قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسماعيل بن مسلم العبدي عن أبي المتوكّل في قوله سبحانه: {فرّتْ مِن قسْورةٍ} قال: هو لغط القوم، وقال أبو هريرة: هي الأسد.
وأخبرني بن فنجويه قال: حدّثنا ابن حمدان قال: حدّثنا ابن ماهان قال: حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سليمان بن قتة عن ابن عباس {فرّتْ مِن قسْورةٍ} قال: هو بلسان العرب: الأسد، وبلسان الحبش: القسورة، وبلسان فارس: شير، وبلسان النبط: أريا. وقيل: هو فعولة من القسر وهو القهر، سمي بذلك لأنه يقهر السباع كلّها.
وأخبرني الحسين قال: حدّثنا محمد بن علي بن الحسن الصوفي قال: حدّثنا محمد بن صالح بن ذريح قال: حدّثنا حبارة بن مغلس قال: حدّثنا عبد الأعلى بن أبي المسأور عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: {فرّتْ مِن قسْورةٍ} قال: من حبال الصيادين، وقال عكرمة: من ظلمة الليل، وقيل: هي سواد أول الليل ولا يقال لسواد آخر الليل: قسورة، وقال زيد بن أسلم: أي من رجال أقوياء، وكلّ ضخم شديد عند العرب فهو قسور وقسورة. قال لبيد:
إذا ما هتفنا هتفة في ندينا ** أتانا الرجال العائذون القسأور

{بلْ يُرِيدُ كُلُّ امرئ مِّنْهُمْ أن يؤتى صُحُفا مُّنشّرة} وذلك أنهم قالوا: يا محمد إن سرّك أن نتبعك فأتنا بكتاب خاصة إلى فلان وفلان من ربّ العالمين نؤمر فيه باتباعك، نظيره قوله: {ولن نُّؤْمِن لِرُقِيِّك حتّى تُنزِّل عليْنا كِتابا نّقْرؤُهُ} [الإسراء: 93]. بادان عن ابن عباس يقول: كان المشركون يقولون: لو كان محمد صادقا فليصح عند كل رأس رجل منا صيحة فيها براءته وأمنه من النار. قال مطر الوراق: كانوا يريدون أن يؤتوا براءة من غير عمل، وقال الكلبي: إن المشركين قالوا: يا محمد بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل يصبح مكتوب عند رأسه ذنبه وكفارته فأتنا بمثل ذلك، فكرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله سبحانه هذه الآية {كلاّ}. ليس كما تقولون وتريدون وقيل: حقا وكل ما ورد عليك منه فهذا وجهه {بل لاّ يخافُون الآخرة كلاّ إِنّهُ} يعني القرآن {تذْكِرةٌ} وليس بسحر {فمن شاء ذكرهُ وما يذْكُرُون} بالتاء نافع، يعقوب وغيرهما بالياء {إِلاّ أن يشاء الله هو أهْلُ التقوى وأهْلُ المغفرة} أي أهل أن تتقى محارمه وأهل أن يغفر لمن اتقاه.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عمر بن الخطاب قال: حدّثنا عبد الله بن الفضل قال: حدّثنا هدية بن خالد قال: وحدّثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدقاق وهارون بن محمد قالا: حدّثنا محمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا هدية قال: حدّثنا موسى بن محمد بن علي قال: حدّثنا الحسن ابن علي المعمري قال: حدّثنا هدية قال: حدّثنا سهيل بن أبي حزم عن ثابت عن أنس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذه الآية: {هو أهْلُ التقوى وأهْلُ المغفرة}: قال ربكم عز وجل: أنا أهل أن اتقى ولا يشرك بي غيري وأنا أهل لمن اتقى أن يشرك بي أن أغفر له».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن مالك قال: حدّثنا ابن حنبل قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا عبد القدوس بن بكر قال: سمعت محمد بن النظر الجارقي يذكر في قوله سبحانه: {هو أهْلُ التقوى وأهْلُ المغفرة} قال: أنا أهلٌ أن يتقيني عبدي فإن لم يفعل كنت أنا أهلا أن أغفر له. اهـ.